رسالة حب للأشجار عمرها 100 عام لهيرمان هيسه

"تجوّل/Wander": نتاشا ماكيلهون تقرأ رسالة حب للأشجار عمرها 100 عام لهيرمان هيسه، في تجوّل افتراضيّ من أجل الصحة العقلية بالسير في حدائق كيو.

"في أعلى أغصانها، يهفهف العالم، وتستقر جذورها إلى ما لا نهاية، ولكنها لا تفقد نفسها هناك، إنها تعاني بكل قوة في حياتها لأجل شيء واحد فقط: لتحقق ذاتها بقوانينها الخاصة... لتمثل نفسها. ليس هناك ما هو أقدس، ولا أكثر مثالية من شجرة جميلة وقوية.."

 كاتبة المقال: ماريا بوبوفا

 في السنوات الأخيرة من حياته، اتجه عالِم الأعصاب العظيم أوليفر ساكس إلى قوة العلاج الطبيعي والفسيولوجي للطبيعة، ملاحظًا، خلال أربعين عامًا من الممارسة الطبية، أنّ هناك نوعين فقط من العلاج غير الصيدلاني مفيدين لمرضاه: الموسيقى والحدائق. وفي حديقةٍ أيضًا، وجدت فرجينيا وولف، التي عانت من مرض عقلي طوال حياتها، أن استيعاب الوعي القويّ هو الذي مكّنها من صنع بعض أكثر الفنون الإنسانية رقيًا بالرغم من معاناتها الخاصة. عندما طُلب من صديقتي العزيزة ناتاشا مكيلون (التي قرأت بصوتها كتابي: Figuring) أن تختار قطعة من الأدب ترويها مع جولة في الحدائق النباتية الملكية، كيو، لحلقة من برنامج تجوّل/Wander وهي سلسلة جميلة من قبل المخرج بو كيرواك، لتفيد مؤسسة الصحة العقلية البريطانية ولمساعدة الأشخاص المعزولين ليزوروا افتراضيًا بعض أفضل الحدائق والمؤسسات الثقافية المحبوبة في العالم، مصحوبة ببعضٍ من أكثر الأصوات الأدبية والفنية المحبوبة في العالم - اختارت ناتاشا رسالة حب عجيبة عمرها 100 عام إلى الأشجار بقلم هيرمان هيسه (يوليو 2، 1877 - 9 أغسطس 1962)، وهي الرسالة التي كانت قد أنقذتها من موقع Brain Pickings منذ ما يقرب من عقد من الزمان. نُشرت هذه الرسالة في الأصل في مجموعة من الأجزاء لهيسه 1920، التجوّل: ملاحظات ورسومات/ Wandering: Notes and Sketches  (في المكتبة العامة)، وهي تنبض بالحياة مجددًا في هذه الرحلة الفائقة والمنتقلة عبر الشاشة وما بعدها، إلى أرض العجائب المورقة لحيوية الطبيعة، مع صوتين رائعين بشكل غير عادي مثل مرشدي الشربا*.

*شعب التبت الذين يعيشون على المنحدرات الجنوبية المرتفعة لجبال الهيمالايا في شرق نيبال. لعل الإشارة لهم بحكم البيئة الطبيعية التي يعيشون فيها. (المترجمة)

 

بالنسبة لي، كانت الأشجار دائمًا أكثر الوعاظ اختراقًا. أقدّسها عندما تعيش في قبائل وعائلات، في الغابات والبساتين. بل وأقدسها أكثر عندما تقف وحدها. إنها مثل الأشخاص الوحيدين. ليست مثل النساك الذين هربوا بعيدًا من بعض ضعفهم، ولكن مثل الرجال العظماء، الانفراديين، مثل بيتهوفن ونيتشه. في أعلى أغصانها، يهفهف العالم، وتستقر جذورها إلى ما لا نهاية، ولكنها لا تفقد نفسها هناك، إنها تعاني بكل قوة في حياتها من أجل شيء واحد فقط: لتحقق ذاتها بقوانينها الخاصة... لتبني شكلها الخاص، ولتمثّل نفسها. ليس هناك ما هو أقدس، ولا أكثر مثالية من شجرة جميلة وقوية. عندما تُقطع شجرة فتكشف عن جرح الموت العاري أمام الشمس، يمكن للمرء أن يقرأ تاريخها بالكامل في القرص الجذري المضيء لجذعها: في حلقات سنواتها، ندوبها، كل النضال، كل المعاناة، كل المرض، كل السعادة والازدهار مكتوبة بحق، السنوات الصعبة والسنوات الفاخرة، صمودها ضد الهجمات، تغلبها على العواصف. ويعلم كل فتى صغير أن الخشب الأكثر صلابة ونبلًا له أضيق الحلقات، وهو مرتفع على الجبال وفي الخطر المستمر تنمو الأشجار المثالية غير القابلة للتدمير والأكثر قوة.

الأشجار هي الملاذات. من يعرف كيف يتحدث إليها، ومن يعرف كيف يستمع إليها، يمكنه أن يتعلم الحقيقة. إنها لا تعظ ولا تعلم المفاهيم، إنها تبشر بقانون الحياة القديم، من دون أن تثبّط همّتها التفاصيل.

تقول الشجرة: النواة مخبأة في داخلي، شرارة، فكرة، أنا حياة من الحياة الأبدية. إن المحاولة والمخاطرة التي حملتها الأم الخالدة معي فريدة من نوعها، فريدة من نوعها شرايين بشرتي، فريدة من نوعها أصغر ورقة في أغصاني وأصغر ندبة على لحائي. لقد أُجبرت على التشكل والكشف عن الأبدية في أدق تفاصيلي الخاصة.

تقول الشجرة: قوتي هي الثقة. لا أعرف شيئًا عن والدي، ولا أعرف شيئًا عن آلاف الأطفال الذين يخرجون مني كل عام. أعيش سر بذرتي حتى النهاية، ولا أهتم بأي شيء آخر. أنا واثقة أن الله في داخلي. أنا واثقة من أن عملي مقدس. من هذه الثقة أعيش.

عندما نكون مضطربين ولا يمكننا تحمل حياتنا لفترة أطول، عندها يكون لدى الشجرة ما تقوله لنا: كن ساكنًا! كن ساكنًا! انظر إلي! الحياة ليست سهلة، الحياة ليست صعبة. هذه أفكار طفولية ... الوطن ليس هنا ولا هناك. المنزل في داخلك، أو المنزل ليس في أي مكان على الإطلاق.

شوق للتجول يمزق قلبي عندما أسمع حفيف الأشجار في مهب الريح في المساء. إذا استمعت إليها بصمت لفترة طويلة، فإن هذا الشوق يكشف عن نواه ومعناه. إنها ليست مسألة هروب من معاناة المرء، على الرغم من أنها قد تبدو كذلك. إنه شوق للمنزل، لذكرى الأم، لاستعارات جديدة للحياة.  إنه يقودك إلى المنزل. كل طريق يقود إلى المنزل، كل خطوة هي ولادة، كل خطوة هي موت، كل قبر هو أم.

لذا، فإن الشجرة تصدح في المساء، عندما نقف غير مرتاحين أمام أفكارنا الطفولية: الأشجار لها أفكار ممتدة، وتنفس طويل ومريح، تمامًا كما أن لها حياة أطول من حياتنا. إنها أكثر حكمة منا، طالما أننا لا نستمع إليها. ولكن عندما نتعلم كيفية الاستماع إلى الأشجار، فإن الإيجاز والسرعة والتسرع الطفولي في أفكارنا سيحقق فرحة لا تضاهى. كل من تعلم كيف يستمع إلى الأشجار لم يعد يرغب في أن يكون شجرة. لا يريد أن يكون شيئًا سواه. هذا هو المنزل. هذه هي السعادة.

 

رابط المقال الأصلي: هنا.

 

اترك تعليقًا

Please note, comments must be approved before they are published

الرجوع إلى الأعلى